الغش التجارى
المقدمة:
مما لا شك فيه أن ظاهرة الغش التجاري أصبحت سمة مميزة لكثير من النشاطات التجارية في هذا العصر، وذلك لكثرة المنتجين من جانب ومن جانب آخر كثرة المواد المنتجة وتنوعها، ساعد في ذلك جشع الشركات المنتجة وسعيها الدؤوب لكسب الأموال بالصورة المشروعة وغير مشروعة، كما أنا الإيقاعات السريعة للعصر الحديث أدت إلى ظهور صناعة غير متقنة.
وأن روح التنافس التجاري التي إستشرت في جسد السوق العالمية أدت إلى تدني الأسعار على حساب منتجات غير متقنة الصنع، كما أن تفشي ظاهرة الغش التجاري المتمثل فيه استخدام العلامات التجارية للشركات الأخرى، وعدم التقيد بالمواصفات والمقاييس الصناعية أدى إلى التلاعب بأنواع المواد الخام المستخدم في الصناعة وكمياتها ونسبها. كما ظهر التلاعب في مدة صلاحية المنتج، كل ذلك يعتبر ضرب من ضروب الغش التجاري.
إلا أن هناك نوعاً آخر من الغش التجاري والذي يعتبر أكبرها أثراً على المستهلك ألا وهو العيوب الخفية للمنتجات الصناعية، تلك العيوب التي لا نراها بالعين إلا أنها تظهر بعد استعمال المنتج، ولأهمية العيوب الخفية للمنتجات الصناعية والتي تعتبر نوعاً حديثاً من أنواع الغش التجاري جعلتها موضوعاً لهذا البحث.
أسأل الله أن يوفقني لما يحبه ويرضاه ولما فيه خير أمتي وأن يعم بنفع هذا البحث الجميع .... إنه سميع مجيب.
ماهية العيب الخفي وصوره:
لا تقتصر التزامات البائع على مجرد ضمان الحيازة الهادئة للمشتري بل يمتد التزامه أيضاً إلى ضمان الحيازة المفيدة والنافعة للشيء المبيع وذلك عن طريق التزام البائع بضمان العيوب الخفية.
وتحديد لمعنى العيب الخفي يكون البائع ملزماً بالضمان إذا لم يتوافر في المبيع وقت التسليم الصفات التي كفل المشتري وجودها فيهن أو إذا كان بالمبيع عيب ينقص من قيمته أو من نفعه بحسب الغاية المقصودة مستفادة مما هو مبين في العقد أو مما هو ظاهر من طبيعة الشيء أو الغرض الذي أعد له ويضمن البائع هذا العيب ولو لم يكن عالماً بوجوده(1) وفي ضوء هذا النص، يفرق الفقه المصري بين صورتين من صور العيب الخفي.
الصورة الأولى للعيب الخفي:
وقد أشارت محكمة النقض المصرية في ظل القانون المدني القديم إذا قررت أن العيب الذي يترتب عليه دعوى ضمان العيوب الخفية، هو الآفة الطارئة التي تخلو منها الفطرة السليمة للشيء المبيع. وعلى ذلك يعتبر من قبيل العيب الخفي وجود تسوس في الخشب ومرض الدابة ووجود شروخ في أساس الدار وما إلى ذلك.
ونلاحظ أن العيب الخفي في تكل الصورة يأخذ معنى موضوعياً، إذ ينظر إلى صلاحية الشيء المبيع في ذاته وقدرته على تحقيق الغرض أو الغاية المقصودة منه. وتحدد تلك الغاية على أساس عدة معطيات، وقد تكون واردة في العقد أو ظاهرة من طبيعة الشيء أو الغرض الذي أعد له.
ويلاحظ قد أدخل في ذلك الاستعمال الذي ينتظره المشتري من الشيء المبيع لتحديد العيب الخفي، عندما نصت تلك المادة على أن الشيء يعتبر معيباً، متى كان العيب ينتقص من صلاحيته لهذا الاستعمال، لدرجة أن المشتري لم يكن ليشتريه أو لم يكن ليدفع فيه إلا ثمناً اقل، فيما لو علم بهذا العيب، وقد دفع ذلك النص بعض الفقهاء إلى التساؤل عما إذا كان العيب الخفي في تلك الصورة يتطابق مع إبطال العقد لوقوع المشتري في غلط جوهري وإن ضمان العيب الخفي. هو جار قريب للإبطال بسبب الغلط.
ويشير الفقه إلى أن العيب الخفي في تلك الصورة يمكن تعريفه من عدة زوايا. فالشيء يعتبر معيباً وفقاً للتعريف المادي إذا تلفت مادته أو لحقها الهلاك، كما يمكن أن يعرف العيب تعريفاً وظيفياً، إذ يعتبر الشيء معيباً، إذا كان ما به من أوصاف أو خصائص يجعلانه غير صلاح للاستعمال المحدد له، فالعيب يتحدد بنتائجه التي يكشف عنها الاستعمال، إلا أنه يصعب تحديده أو تعريفه بالنظر إلى طبيعته أو ذاتيته.
وفي مجال المنتجات الصناعية فقد قضى بأنه متى كان الشيء المبيع أنتج وفقاً للقواعد الفنية فإنه لا يمكن اعتباره معيباً، وبالتالي فإنه إذا كان بائع خيوط النسيج الصناعي قد راعى في إنتاجها قواعد الفن الصناعي فلا يجوز للمشتري أن يرجع على البائع بدعوى ضمان العيب الخفي، إذا كان هذا الأخير قد استعملها في غير الغرض المعد له وذلك لإنتاج ستائر واقية من الشمس، إذ أن الاستعمال في هذه الحالة –وليس المنتج- يكون معيباً.
كذلك فإنه متى كان المشتري وهو من رجال الصناعة الملمين بأصولها قد حدد تصميم المنتج الصناعي ومواصفاته ولم يترك للبائع (وهو المنتج) سوى دور التنفيذ فلا يكون له أن يرجع فيما بعد على البائع بدعوى ضمان العيب الخفي، طالما أن المنتج قد سلم وفقاً للتصميم والمواصفات المتفق عليها ولا يعتريه عيب من عيوب التصنيع.
وقد استقر القضاء على أن البائع "بائع المنتج النهائي" يلتزم بالرقابة الفنية على الأجزاء الداخلة في تكوين الشيء المبيع واكتشاف ما قد يوجد بها من عيوب التصنيع وفي المقابل، فإن البائع يكون مسئولاً وفقاً لضمان العيوب الخفية إذا كان البائع عالماً بالاستعمال الذي يبتغيه المشتري من وراء الشيء المبيع، بناء على طلب هذا الأخير، وبالرغم من ذلك، قام بتسليمه منتجاً غير صالح للاستعمال المقرر له وأذن فصلاحية الشيء المبيع للاستعمال تتحدد وفقاً للاستعمال العادي الذي يمكن تبينه واستظهاره من العقد أو مما هو ظاهر في طبيعة الشيء أو الغرض الذي أعد له وفقاً لما أشار إليه نص المادة 447 مدني مصري، أي بعبارة أخرى، فإن الصلاحية للاستعمال تقدر وفقاً لمعيار موضوعي لا شخصي.
الصورة الثانية للعيب الخفي:
في البيع الذي يرد على شيء معين بذاته قد يشترط المشتري توافر صفة معينة فيه كأن يشترط المشتري لسيارة معينة أن يكون استهلاكها أربعمائة كيلو متر في الصفيحة أو أن تبلغ سرعتها ثلاثمائة كيلو متراً في الساعة مثلاً. فإذا اختلفت هذه الصفة جاز للمشتري الرجوع على البائع بدعوى ضمان العيوب الخفية مع أن تخلف تلك الصفة لا يجعل الشيء المبيع غير صالح للاستعمال المقرر له عادة.
أما الأشياء المثيلة وهي التي يتشابه أحدها ويقوم بعضها مقام البعض عند الوفاء، فإنه إذا تخلفت إحدى الصفات المتفق عليها كدرجة معينة من الجودة في الحبوب مثلاً، فإن تخلف تلك الصفة يعتبر إخلالاً من البائع بالتزامه بالتسليم. إذ في هذه الحالة لا يكون الشيء مطابقاً لما اتفق عليه.
وتتفق التشريعات العربية في مجملها على الأخذ بالمفهوم الموضوعي للعيب الخفي، السابق الإشارة إليه، وهذا المفهوم للعيب الخفي معروف في الفقه الإسلامي الذي نتناول هذا الموضوع تحت تسمية خيار العيب.
وقد عرف العيب الخفي عل أنه الآفة الطارئة التي تخلو منها الفطرة السليمة للشيء (أن العيب ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة من الآفات العارضة لها)(1).
تقييم ونظرة إجمالية للعيب الخفي:
إن مقتضيات التطور الاقتصادي وتعدد السلع وتنوعها توضح أن حيازة المبيع واستعماله والانتفاع به تفوق في أهميته بالنسبة للمشتري وفاء البائع بالتزامه بنقل الملكية, الأمر الذي يقرب البيع في صورته المعاصرة من البيع المعروف في القانون الروماني، حيث كان الاهتمام ينصب أولاً على حيازة المبيع والانتفاع به.
وإذا كان قدرة البائع على المناورة محدودة وضئيلة فيما يتعلق بتحديد مدى وفائه بالالتزام بنقل الملكية أو بالتسليم أو بضمان التعرض، لسهولة التحقق من وفائه بها، فإن قدرته على المناورة والإفلات من التزامه بضمن العيب الخفي تبدو أكثر اتساعاً. ذلك أن مفهوم العيب الخفي يختلف باختلاف الشيء المبيع وطبيعته واستعماله والغرض المحدد له، بل أن مفهوم العيب الخفي بالنسبة لذات المبيع يختلف باختلاف المتعاقدين ومدى ما يتمتعون به من تخصص فني ومهني، هذا فضلاً عن القيود الزمنية التي يتعين على المشتري التقيد بها وإلا فقد حقه في الرجوع بالضمان.
كذلك فإن دعوى ضمان العيب الخفي تسقط في جميع الأحوال بمضي مدة سنة من تاريخ الاستلام الفعلي بغض النظر عن اكتشاف المشتري للعيب أو عدم اكتشافه، إذا لم يقم برفع دعوى الضمان خلال تلك المدة.
ومما يؤخذ على المفهوم التقليدي لضمان العيب الخفي ما يعتريه من قصور في مفهوم الضرر الذي يلتزم البائع بتعويض المشتري عنه. وفي هذا الشأن يفرق القانون المصري بين نوعين من الأضرار التي قد تلحق بالمشتري. النوع الأول ويطلق عليه الأضرار التي قد تلحق بالمشتري. النوع الأول ويطلق عليه الأضرار الناجمة عن عقد البيع، ذلك أنه متى وجد عيب خفي بالمبيع مما يستوجب الضمان، فإن المشتري يرد المبيع ويسترد ما دفعه وله فضلاً عن ذلك أن يطالب بالتعويض عن الكسب الفائت. أما النوع الثاني من الأضرار ويطلق عليه الضرر الذي يسببه الشيء، أو لكون الشيء معيباً فيتعلق بالأضرار التي قد يحدثها المبيع المعيب بشخص المشتري أو بأمواله. ومثل تلك الأضرار لم تكن لتلفت نظر المشرع عند وضع القانون المدني وذلك نظراً لأن السلع المتداولة آنئذ كانت في الغالب منتجات طبيعية لا تمثل خطورة على مستعمليها أما المنتجات الصناعية فلم تكن شائعة آنذاك.
إلا أن هذه الانتقادات العامة، ليست نهاية المطاف، فهناك نقداً أبعد مدى وقصورا جوهرياً يعتري مفهوم ضمان العيب الخفي.
وإذا أخذنا على أحكام ضمان العيب، مجافاتها للواقع فيما يتعلق بأشخاص المتعاقدين، فإن تلك الأحكام أشد مجافاة للواقع فيما يتعلق بموضوع العقد، إذ أن نصوص القانون المدني بوجه عام وتلك المتعلقة بضمان العيب الخفي تنطبق على الشيء المبيع دون تفرقة بين منتجات الطبيعة من ثمار وغلال ومن المنتجات الصناعية الخطرة أو المنتجات الصناعية عالية التقنية.
إن إغفال نصوص القانون المدني المتعلقة بضمان العيب، لهذه المؤثرات والاعتبارات الواقعية، يجعلها عاجزة عن تحقيق حماية فعالة وكافية للطرف الضعيف في عقد البيع وهو المشتري أو المستهلك.
وينصرف مفهوم العيب الخفي بصفة أصلية إلى الآفة الطارئة التي تخلو منها الفطرة السليمة للشيء والآفة الطارئة. وعادة فإن الانتقاص من قيمة المبيع أو من نفعه، ينعكس على صلاحية المبيع للاستعمال المقرر له. ومن هنا فإننا نجد أن نص المادة 1641 من القانون المدني الفرنسي، تعرف العيب الخفي على أنه ذلك الذي يجعل الشيء غير صالح للاستعمال المقرر له أو ينتقص من هذا الاستعمال المقرر له أو ينتقص من هذه الاستعمال لدرجة أن المشتري ما كان ليقبل شرائه أو ما كان يشتريه إلا بثمن أقل.
أما العيب الخفي بمعنى تخلف صفة متفق عليها في العقد فلا يؤثر بالضرورة على الاستعمال المقرر للشيء أو صلاحيته لذلك. فالأمر مرده اتفاق المتعاقدين على توافر صفة معينة في المبيع، كأن يشترط من يشتري سكناً على أن يكون التشطيب بمواصفات معينة.
إذن ففي مجال المنتجات الصناعية، هناك المنتجات التي تشكل خطراً على أمن وسلامة على من آلت إليه ملكيتها، أو من يقوم باستعمالها، وهو ما يعرف بالمنتجات الخطرة. إذ أن ضمان العيب الخفي لا يمثل حماية كافية أو فعالة في هذا المجال، سواء للتعويض عن الأضرار الناتجة عنها أو للوقاية منها.
وتوجد تلك المشكلة بصورة متماثلة فيما يتعلق بنوع آخر من المنتجات الصناعية يطلق عليها المنتجات ذات التقنية العالية، إذ أن هذه المنتجات، عندما تكون محلاً للتعاقد فإنها تصبح مصدراً للعديد من المشاكل القانونية المتزايدة التي تعجز عن حلها قواعد القانون المدني التقليدية وبالذات ضمان العيب الخفي.
مدى قصور مفهوم العيب الخفي في مجال المنتجات الخطرة ومواد الصيدلة:
تتنوع المنتجات الخطرة، ولكن تتميز جميعها بما تشكله من خطورة على أمن وسلامة مستعمليها وعلى أموالهم. ونحاول فيما يلي تحديد مفهوم المنتج الخطر ومدى ملاءمته العيب الخفي لتغطية الأضرار المتصور حدوثها منه. ثم نحاول دراسة نوع خاص من المنتجات الخطرة وهو ما يطلق عليه منتجات الصيدلة والكيماويات الطبية ومدى إمكانية تطبيق العيب الخفي أو الأخذ به في هذا المجال.
ليس بالأمر السهل أن نعطي تعريفاً قانونياً للمنتج الخطر إذ يختلف الفقه في ذلك على حد كبير. إن تعبير المنتج الخطر، ينصرف في جانب منه إلى المنتجات الخطرة بطبيعتها والتي روعي في تصنيعها وتصميمها في قواعد الفن الصناعي وأصوله المستقرة، فمثل هذه المنتجات قد يترتب على استعمالها أضراراً تلحق بشخص أو بمال مستعملها، ولا يجدي المتضرر في هذه الحالة اللجوء إلى ضمان العيب الخفي.
وعادة ما يقال بأن المنتج الخطر هو ذلك الذي يتميز بما له من طاقة أو ديناميكية ذاتية مثلا الآلات الكهربائية. والمنتج الخطر هو الذي ينبعث منه تهديداً بالخطر، لارتباط ذلك بإحدى خصائصه، فالمنتج يعتبر خطراً لا لأنه قد تسبب في إحداث ضرر ما، فالمنتج الخطر يعتبر كذلك قبل أن يتسبب في إحداث الضرر، فالخطر يسبق في وجوده حدوث الضرر، ولا يمكن الحكم على منتج ما بأنه خطر لمجرد أنه يتسبب في أحداث الضرر، إذا لم يكن قد مثل قبل ذلك تهديداً بحدوث الضرر.
المصدر / منتديات شبوه نت